fbpx

رحيل طلال سلمان .. سفير الصحافة العربية

0 27

 

ما أسرع السنين، ما أبطأ الأيام، ما أطول النهارات، ما أقصر الليالي. ما أقسى العيش، ما أمتع الحياة، ما أعظم الحرية، ما أحط القمع والعسف والاستكانة والاستسلام.

هي كلمات طلال سلمان الضيف الصحفي القدير الذي أنهى عبوره اليوم لهذه الحياة، لكنّه لم يكن مجرد ضيفِ عاديّ بل صاحب كلمة حق وأثر وقلم قلّ نظيره.

 

 طلال سلمان الحياة الأولى

 

في بلدة شمسطار الواقعة غربي مدينة بعلبك اللبنانية من العام 1938 ولد طلال سلمان.

والده ابراهيم أسعد سلمان كان صف ضابط في قوى الأمن الداخلي (دركي)، ونتيجة لعمل والده عاش طفولة متنقلة سواء في المسكن أو المدرسة.

أحبّ طلال القراءة والكتب منذ طفولته، وفي المرحلة الثانوية بدأ الكتابة حيث كتب مقالات وخواطر في مجلة الأنباء.

حين أنهى دراسته الثانوية أعطاه والده 40 ليرة لبنانية قائلاً له: تدّبر أمر تعليمك الجامعي وسكنك هذا كل ما أستطيع أن أزوّدك به، نظراً لوجود أخوة وأخوات أصغر منه ويحتاجون أيضاً لنفقات في ظل ظروف أسرية صعبة.

 

أنا ابن الدركي من شمسطار أسّست جريدة في بيروت يقرأها الوطن العربي

هنا كانت بدايات طلال بمبلغ بسيط  من والده وهو شاب في مقتبل العمر، فكانت أوّل وظيفة حصل عليها عام 1956 هيَ مصحّح في صحيفة الشرق وبدون أجر إنّما فترة تدريبية.

 

الحياة العملية

 

لم يلبث طلال سلمان كثيراً في صحيفة الشرق كمصحّح، لينتقل بعدها ويعمل محرّراً لقسم الحوادث في صحيفة أخرى.

عايش طلال كل الأحداث السياسية الصاخبة في بلده لبنان والبلاد العربية في تلك الفترة، ومن خلال زيارته لوالده في مقر عمله التقى الصحفي المعروف آنذاك سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث.

انضم طلال من خلال سليم اللوزي لمجلة الحوادث، وفي بدايته بها عمل بقسم التصحيح أيضاً، لينتقل بعدها إلى قسم ” بريد القرّاء ” ويتحوّل ليكتب في زاوية ثابتة بعنوان ” شطحة ” عرف بعدها أن الرئيس المصري عبد الناصر كان يقرأها باستمرار، وقد تمكن من لقاءه لاحقاً في دمشق أوائل سنة 1958 لتهنئته بالوحدة.

تدّرج طلال في مهماته الصّحفية في مجلة الحوادث حتّى أصبح سكرتيراً للتحرير، وكاتب مقالة سياسية.

في الستينات بدأ يظهر كصحفي معروف، وعُرِض عليه أن يكون مدير تحرير لمجلة ” الأحد ” فقبل المهمة وأصبحت بفضله مجلة مهمة حينذاك.

سافر بعد ذلك إلى الكويت، وأصدر مجلة ” دنيا العروبة “، ولكن لم يلبث أن عاد إلى بيروت، واستلم مدير تحرير مجلة ” الصياد” ومحرّر في مجلة ” الحرية ” ليتفرغ أخيراً للسفير.

 

السفير ” طلال سلمان “… صوت الذين لا صوت لهم

 

في 26 آذار | مارس 1974 صدر العدد الأول من جريدة السفير بعد رحلة تحضيرات طويلة قام بها طلال ليأسس هذه الجريدة ويجعل شعارها ” صوت الذين لا صوت لهم “، وكانت فعلاً جريدة تليق بشعارها.

استطاع طلال سلمان من خلال السفير أن يحجز له مكاناً هاماً في الصحافة العربيّة بجودة الطرح والمحتوى والوعي الفكري، وحملت هذه الجريدة منذ صدورها أسماء لامعة في الفكر العربي المعاصر أمثال: سعد الله ونوس، عبد الرحمن منيف ، ياسين الحافظ ، رفعت السعيد وغيرهم الكثير…

استمر عمل جريدة السفير حتّى يوم 4 كانون الثاني | يناير 2017 أي قرابة 43 عاماً ، تعرّضت خلالها لنكسات ومحاولات ترهيب حيث تعرضت مطابعها للنسف في العام 1980، وكانت الصحيفة اللبنانية الوحيدة التي لم تتوقف يوماً واحداً خلال الاجتياح الاسرائيلي 1980

غطّت السفير على مدى سني عملها الأخبار والأحداث بشكل ميداني بمجالات مختلفة السياسة والاقتصاد والرياضة، فضلاً عن التحقيقات الميدانية والعلمية والبيئية.

تميّزت بقتال أقلامها ولاسيما وقت الحرب، وبصوتها الحق والدفاع عن قضايا الأمّة وخاصة القضية الفلسطينية.

 

على الطريق

 

هو عنوان الزاوية الأسبوعية في جريدة السفير ل طلال سلمان كتب بها مقالاته المتنوّعة، واستمر بالكتابة باسم هذه الزاوية ” على الطريق ” قي موقع حمل اسمه بعد إغلاق الجريدة.

قابل طلال سلمان خلال سنوات عمله العديد من الشخصيات والرؤساء والقادة العرب، وعُرف بصلابته في المواقف ودفاعه عن قضية فلسطين، وشخصيته المحبّة لعمله حتّى أنّه كان آخر من يخرج من مقر عمله في جريدة السفير ليتأكد أنّ كل شيء على مايرام.

تعرّض بسبب مواقفه للضغوط والاعتقال، ومحاولات الاغتيال.

حاز على جوائز عديدة منها جائزة الدبلوماسي والمستشرق الروسي فيكتور بوسوفاليوك الدولية المخصّصة لأفضل نقل صحافي روسي وأجنبي للأحداث في الشرق الأوسط، وفي 7 أيار | مايو 2010 منحته كلية الإعلام اللبنانية درجة الدكتوراة الفخرية تقديراً لدوره المميّز في الصحافة والإعلام والأدب الصحافي.

لطلال مؤلفات عدّة نذكر منها: إلى أميرة اسمها بيروت ، هوامش في الثقافة والأدب والحب، مع فتح والفدائيين، كتابة على جدار الصحافة.

 

رحيل

 

حين اختار طلال سلمان في العام 2017 إغلاق جريدة السفير بكل هدوء قال: يحق لنا أن نلتقط أنفاسنا لنقول ببساطة و باختصار وبصدق: شُكراً

ونحن اليوم نقول له في يوم رحيله الأخير شكراُ لأنّك أغنيت الصحافة العربيّة، وكنت سفيرها وصوت الّذين لا صوت لهم ….

 

اقرأ أيضاً يامال الشام حين رسمت سهام ترجمان تفاصيل دمشق في كتاب

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.