fbpx

الكندي … رائد الفلسفة العربية

0 34

من الخطأ أن ينسى الإنسان الماضي ، لأنّنا إذا اقتلعنا الماضي من أذهاننا فسيظل باقياً ينبض في أعماقنا، ومن الخطأ أيضاً أن نقف عند الماضي، فشعوب لها عمق تاريخي كشعوبنا وأمّةً لها حضارة عظيمة كأمّتنا لابدّ أن تعتّز بهذا الماضي وأن تقتبس منهُ نوراً للمستقبل ، وإلّا كان مصيرنا الضياع والتّراجع، والأمم لا تقاس بأعداد افرادها ، بل بأعداد مفكريها الّذين يحدثون نقلة معرفية عظيمة ، نقلة تساعد على تطوّر الأمم فيشهد لها القاصي والدّاني وينحني الجميع لها تقديراً .

 

من هو الكندي؟

 

لقد كان لعلماءنا العرب المسلمين ذلك الدّور الهام والبارز في نهضة العلوم المختلفة كالطّب والفلك والرياضيات والفلسفة،  والّتي كانت تشهدُ نوعاً من التّراجع والانحدار بين الأمم، ولعلّ أبرزهم ورائد هذهِ النّهضة الفكرية هو العلامة أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي الذي لُقب بفيلسوف العرب الأول و رائد الفلسفة العربيّة.

 

ولد الكندي في الكوفة سنة 801 ميلادي، وعاش مطلع حياته في البصرة ثمّ انتقل إلى بغداد منارة العلم والفكر آنذاك فاستقى من علومها ونهل من معينها الكثير من العلوم ، فقد كانت قبلة العلوم .

تأثر الكندي بالفلسفة اليونانية واشتهر بجهوده في تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة،  وهذا ما جعلهُ فيلسوف العرب الأوّل فقد تأثّر بفكر الفلاسفة اليونان كأرسطو وافلاطون وإقليدس، حيث قال سليمان بن حسان إنّهُ لم يكن في الإسلام فيلسوف غيرهُ! ولعلّّهُ يقصد بذلك إلى أنّه أوّل فلاسفة الإسلام ، فترجم الكثير من المؤلفات والكتب اليونانية وبسط المستصعب منها فأصبحت جلية واضحة.

 

كان جهد الكندي الأكبر في تطوير الفلسفة الإسلامية، هو محاولته لتقريب الفكر الفلسفي اليوناني، وجعله مقبولاً عند جمهور المسلمين، من خلال عمله في بيت الحكمة في بغداد.

 

دور الكندي في الفلسفة العربية

 

لولا أعمال الكندي الفلسفية، لما تمكّن الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا والغزالي من الوصول إلى ما توصلوا إليه، فقد كان أوّل فيلسوف يكتب بالعربية ، وقد تمكّن بنجاح من إدخال الفكر الأرسطي والأفلاطوني المحدث إلى الفكر الفلسفي الإسلامي.

 

الكندي وفرقة المعتزلة

 

شهدت فترة الكندي في بغداد الكثير من التّوتر العقائدي بسبب مشكلة خلق القرآن أو فتنة خلق القرآن، والّتي كانت عبارة عن نقاش بين الحسن البصري وأحد تلاميذه يدعى واصل ابن عطاء فيما إذا كان المسلم ارتكب كبيرة من الكبائر، وكان جواب البصري بأنهُ سيكون تحت المشيئة إن شاء الله عذّبهُ وإن شاء غفر له، فلا يخرج من الإيمان أو الإسلام فاعترض واصل وقال أنّهُ يكون عند إذّ ليس بمسلم وليس بكافر فقد خرج من الايمان بكبيرته ولم يدخل الكفر فهو في الدنيا بين الايمان والكفر ومخلد في جهنم، فقال البصري: لقد اعتزلنا واصل أي بعد عن فكرنا .

ومن هنا سمي واصل ومن تبعه بالمعتزلة فكانوا فرقة كلامية درسوا علم الكلام وعلم الأسماء والصفات، فتبنوا بعد ذالك فكرة أنّ القرآن مخلوق وليس بكلام الله.

 

بالتأكيد كان لهذهِ الأحداث والصراعات الّتي شهدتها الدولة الاسلامية في فترة كان فكر المعتزلة من جانب وانتشار الإلحاد والزندقة من جانب آخر تأثير في حياة الكندي فاعتقد الكثيرون أنّ الكندي تأثر بفكر المعتزلة، وذلك بسبب اهتمامه وإياهم بمسألة توحيد الله.

 

ومع ذلك، أثبتت الدراسات الحديثة، أنّها كانت مصادفة، فهو يختلف معهم حول عدد من موضوعات عقائدهم. ولكنّه يشير بشكل واضح إلى ميوله الكلامية وبخاصة رسائله في الاستطاعة وزمان وجودها ، والعدل والتّوحيد اللّذين هما أكبر أصلين من أصول المعتزلة ، كما أنّ ردّه على المنانية والثنوية والملحدين ، يؤكد هذا الاتجاه أيضاً، وهذهِ المواضيع ليست جديدة على الفكر الإسلامي بل قد تناولها متكلمون عظماء أيضاً، أمثال أبي محمد هشام بن الحكم الكوفي.

 

 

فكرة الوجود عند الكندي

 

ثم يستدل الكندي على إثبات واجب الوجود بفكرة وجود محدث أحدث هذا الوجود ، وبفكرة الغاية والنظام والتّدبير في هذا الكون يدلّنا على وجود منظم ومدبر ،وفكرة المشابهة أو التمثيل بين النفس والبدن يدل على وجود قوّة خفية غير مرئية، وهي النفس تسير الجسم فكيف التدبير في الكون ، وفكرة كثرة الموجودات في هذا العالم ترجع إلى علّة واحدة ليست داخل هذا العالم بل خارجة عنه، وهذه العلة هي الذات الإلهية الواحدة غير المتكثرة.

 

كذلك مسألة اقرار العالم بأنّه محدث دفعة واحدة من لاشيء بفعل القدرة المبدعة المطلقة (الإرادة الإلهية) بحيث لو توقّف الفعل الإرادي من جانب الله جلّ جلاله لانعدم العالم ضربة واحدة، ودليل فيلسوفنا على حدوث العالم هو مبدأ تناهي جرم العالم، وأيضاً بيانه للسبب أو العلّة في خلق كل الموجودات المنفعلة السماوية والأرضية بأنّها مرتبة ترتيباً محكماً وفق حتمية إلهية وليست مادية أو طبيعية.

 

مجموع مؤلفات الكندي وفقاً لابن النديم

 

وفقاً لابن النديم كتب الكندي على الأقل مئتان وستين كتاباً، منها اثنان وثلاثون في الهندسة، واثنان وعشرون في كل من الفلسفة والطب، وتسع كتب في المنطق واثنا عشر كتاباً في الفيزياء، بينما عدّ ابن أبي أصيبعة كتبه بمائتين وثمانين كتابًا على الرغم من أنّ الكثير من مؤلفاته فقدت، فقد كان للكندي تأثيراً في مجالات الفيزياء والرياضيات والطب والفلسفة والموسيقى استمر لعدة قرون عن طريق التّرجمات اللاتينية التي ترجمها جيرارد الكريموني، وبعض المخطوطات العربية الأخرى.

 

 

 

وختاماً لا يسعنا أن نحصر كل نتاجات الكندي بمقال فمثله مثل باقي علماءنا العرب المسلمين كان نتاجهم زاخراً وعلومهم نافعة ونظرياتهم مهمة،  والعلوم متطورة لا تبقى كما كانت ولن تبقى كما الان في المستقبل  . وما علينا الا ان ننطلق من حيث انطلق غيرنا ، فكل شيء يزول إلا قيمة الإنسان بما يفعل فيجب أن نستفيد من الماضي دون أن نسجن فيه ونتمسك بتاريخنا من غير أن يغل أقدامنا ويشدنا إلى الوراء فالتّاريخ وحدة ليس مبرر للبقاء ، والأمجاد لا تطعم خبزاً ، وإلّا كنا كمن يطحن الهواء ليقتات به.

 

اقرأ أيضاً الموشحات الأندلسية البقاء للأجمل والأعذب!

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.