fbpx

الاسمُ الّذي جذبني … سامي الدروبي

0 49

 

لطالما كُنتُ شخصاً أميلُ لقراءةِ كافةِ التّفاصيل وتحليلها ومعرفة خفاياها، ولطالما جذبتني الكتب كأيّ عاشقٍ للقراءة أو هاوٍ للكتابة، وعلى مدى قراءاتي المتعدّدة للكتب العالميّة المترجمة كان لابدَّ أن أُحاط بفضولِ اسمه المتكرّر كمترجم “سامي الدروبي” ، ولذا قررت أن أقرأ عنه وأَسرُدَ ممّا قرأت فربما تشابهَ فضولي مع فضولِ قراءٍ آخرين…

 

من يكون سامي الدروبي؟!

 

لربما كنت فضوليّاً مثلي حقاً ولاحظت اسمه على أغلفة كتب مترجمة كثيرة، ومهمّة لاسيما كتب دوستويفسكي الّذي يُعدّ من أعظم مفكري وفلاسفة عصره، ولكن سامي الدروبي ليس فقط مترجم إنّهُ أكثر من ذلك بكثير…

سامي مصباح الدروبي هو اسمهُ الكامل، أمّا مولده فكان في نيسان| أبريل من العام 1921 في مدينة حمص السورية درس فيها تزوج من السيدة إحسان البيات، وأنجب منها ثلاثة أولاد بنتين هما الدكتورة ليلى، وسلمى التي توفيت في حياة والدها، والمهندس مصباح.

أُوفد إلى مصر وتعلّم في كلية الآداب في القاهرة قسم الفلسفة، وعمل مدرساً للفلسفة في مدارسها، وأُعيدَ إيفاده من جديد لكن إلى فرنسا ليكمل دراسة الدكتوراه في الفلسفة، تسلم بعدها عدد من المناصب السياسية منها ترأسه وزارة المعارف، وعمل سفيراً لبلاده سوريا في يوغسلافيا ومصر والمغرب وإسبانيا.

 

اقرأ أيضاً: فان جوخ… الرّسام الذي قطع أذنه

 

سامي الدروبي ودوستويفسكي

حين نذكر اسم سامي الدروبي فلا بدّ أن يقرن بدوستويفسكي، ولاسيما أنّ سامي الدروبي يُعتبر صاحب الفضل على قراء كثُر لأنّه نقل لنا إبداعات فيسلوف روسي مثل دوستويفسكي وغيره من عمالقة الأدب الروسي مثل تولستوي وبوشكين وميخائيل ليرمنتوف، وحين نذكر دوستويفسكي على وجه الخصوص، فذلك لأنّ الدروبي قام بتعريب الأعمال الكاملة له في 18 مجلد (نحو 11 ألف صفحة) ولكنه لم يُترجِم عن الرّوسية وإنّما ترجم أعمال دوستويفسكي عن الفرنسيّة، ولا تزال ترجماته حتّى بعد رحيله علامة فارقة على جودة المحتوى المقدم، وباكورة ثقة لقارئ يبحث عن غنيمته بشكل صحيح.

 

سامي الدروبي وجمال عبد الناصر:

 

عُيّن سامي الدروبي أيام الوحدة بين سوريا ومصر مستشاراً ثقافياً لسفارة الجمهورية العربيّة المتحدة في البرازيل عامي 1960-1961، وقد تعزّزت في تلك الفترة علاقة وطيدة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر بُنيت على الاحترام والتقدير حيث كان يناديه “الأخ سامي”، ووقف إلى جانبه مراراً في مواقف إنسانية عدّة تعرّض لها، واهتم بحالته الصحيّة حين أصيب بمرض القلب، وحين فقد ابنته هاتفه معزيّاً ودعاه للمكوث معه شهراً.

 

ترجمات سامي الدروبي:

 

حين تقرأ عن سامي الدروبي تزداد إعجاباً لأنّ عمله بالترجمة لم يكن لغاية العمل وإنّما شغفاً منه ورغبة بإثراء التراث الإنساني العربي، فقد آمن بأنّنا نمر بعصر النّهضة الثانية، وأنّ حركة الترجمة تساهم في هذه النهضة كما رأى أنّ التّمكن من اللغة العربيّة يعني ضرورة قراءة الجاحظ والمتنبي والمعري وعمالقة الأدب العربي.

إنّ ترجمات سامي الدروبي لم تنحصرْ فقط في الأدب بل له ترجمات في الفلسفة أهمّها: مؤلفات لكارل ماركس وجان بول سارتر، وترجم في السياسية “مدخل إلى علم السياسة” للكاتب موريس دوفرجيه و “مسائل في فلسفة الفن المعاصر” لجان غوايو و “علم النفس التجريبي” للروبرت ودوث، والأعمال الكاملة لهنري برغسون وترجمات كثيرة لا تُعد…

 

الرحيل الممزوج بالشغف:

 

في ليلة 12 شباط| فبراير1976، نهض سامي الدروبي من سريره رُغم مرضه الشّديد، وأزاح أنبوبة الأوكسجين جانباً، فسمعت ابنته ليلى حركة في المنزل، ذهبت إلى غرفة والدها، ووجدته يحمل معجماً، وحين احتجت على ما كان يفعله بنفسه، أجابها بهدوء: «إنّ كلمة تقلقني، وأظن إنني ترجمتها خطأ، سأراجعها وأعود إلى النوم، اذهبي واستريحي»، وحالما غادرت الغرفة، عاد إلى مكتبه وجلس يقلّب المعجم، ثم أحنى رأسه ورحل في الليلة ذاتها، وهو على وشك الانتهاء من ترجمة «الحرب والسلام» لتولستوي، فأكملت ابنته الصفحات الأربعين المتبقية من الكتاب الضخم.

 

وأخيراً

 

سامي الدروبي ليس مجرد مترجم عابر في حياة الأدب والقراء الّذي استطاع كسب ثقتهم بدقة أعماله، فهو الدبلوماسي والكاتب والسياسي والمترجم غزير الإنتاج، والّذي ترجم ونقل أهمّ الكتب في مسيرة الأدب، وبقيَ مليء الشغف بعمله حتّى آخر لحظة من حياته وناضل من أجل قضايا الشعوب بالقول والفعل، وأهدى الدروبي مكتبته لجامعة دمشق، التي قبلت الهدية برسالةٍ خطية شكره فيها رئيس الجامعة، كما منح جائزة لوتس في العام 1978 أي بعد عامين من رحيله.

 

اقرأ أيضاً: “عصيّ الدمع” قصيدة أبو فراس الحمداني الّتي أخرجته من الأسر

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.